في المجتمعات التي تتكون من طوائف ، و لا تمتلك هي أو دولها نظماً لمكافحة الطائفية سواء نظم تربوية أو قانونية فإن أي صراع اجتماعي يطفو على السطح سوف يجد سبيله بشكل مباشر باتجاه التعقيد الطائفي .
فالطائفية التي تعني سلب الغير لحقوقك و منحها لأبناء الطائفة لا لشيء إنما فقط تعصبا للطائفة أو التي تعني محاسبة جميع أبناء الطائفة على جرائم بعض أفرادها ، هي المعاني التي تلخص تعريف الطائفية .
و ما التعقيد الطائفي إلا فرض الحلول الطائفية للتخلص من المشكلات الطائفية .. و مثال المشكلات الطائفية كتسلط طائفة على طائفة أو أكثر ، أيضاً مثال إلصاق مجموعة من التهم بطائفة ما بدون إعطاء الفرصة لها للدفاع عن نفسها . و مثال الحلول الطائفية كمعاقبة طائفة ما على جرائم بعض أفرادها ، أيضاً مثال العمل على تقسيم البلاد على أساس طائفي ..
و إذا كانت أسباب وجود المشكلات الطائفية في مجتمع ما هو عدم وجود:
- أولاً: نظم تربوية واقية .
- ثانياً: قوانين اجتماعية رادعة .
- ثالثاً: أجهزة متخصصة مانعة .
فإن ظهور الطائفية في الوسط الاجتماعي هي التهديد الأكثر احتمالاً وقوعه فيما بين مكونات المجتمع ، و هي الأكثر تخريباً و تفكيكاً لهذا النوع من المجتمعات ، و ذلك لعدة أسباب :
* أولها: وجود بذرة الطائفية أساساً في الوعي الاجتماعي بسبب وجود الطوائف أصلاً .
* ثانيها: تسطح الفهم عند العامة و قابليته الشديدة لتفسير الصراعات الاجتماعية على أسس طائفية .
* ثالثها: فساد الحاكم و حكومته و تسخير أجهزة الحكم و الدولة لمنافعهم المادية الخاصة غير عابئين بمصالح المجتمع .
* رابعها: تبني الحاكم و نظامه لاستراتيجية إشعال الصراعات الطائفية كطريقة فاعلة في :
- إرهاب المجتمع بكل مكوناته و التخلص من نخبه الواعية .
- استبقاء الوضع على ما هو عليه ، لاستمرار حالة الانتفاع أو لإخفاء مشروع من المؤكد أن الشعب لن يقبل به ، أو لكليهما .
- إضعاف معارضي النظام الحاكم من كل الطوائف .
- زيادة مؤيدي الحاكم و نظامه من كل الطوائف .
- إطالة عمر النظام و بقاء الحاكم في السلطة .
و الملاحظ أن الحلول الطائفية لا تأتي إلا بعد :
- أولاً: طغيان حالة عمياء من فقدان الثقة بالآخر .
- ثانياً: استشراء داء الانتقام و العنف الممنهج .
- ثالثاً: انسداد كافة منافذ الوعي الاجتماعي و السياسي .
- رابعاً: استحكام العداء حتى بين النخب و القيادات .
- خامساً: غياب الوسيط الحيادي .
و كلما كانت الحلول الطائفية ذات رضى و قابلية عالية للتنفيذ عند أطراف الصراع ، كلما كان هناك قوى قادرة عظمى متورطة في دفع الأمور و إجبار الأطراف على هذا النوع من الحلول ، بعيداً عما يطفئ فتيل الأزمة و يعيد الأطراف إلى أماكنهم الطبيعية .
هذه القوى العظمى نراها تزداد مع الوقت بقدر زيادة المصالح الكامنة التي تلوح في سماء هذه الأجواء المشحونة بالشرور الطائفية ، و ذلك لتتبنى هذا النوع من الحلول و تهيئ له الجو و تعمل على بعثه في الوعي الشعوري و في الواقع التطبيقي ، عند الأطارف المتصارعة ، دفعاً لتكريسه على الأرض و الاستفادة منه فيما بعد .
و لا يستغرب ذلك حيال هذه القوى العظمى و أسباب تدخلها ، فقد علمنا التاريخ أن أي صراع يصب في تفكيك المجتمعات المتنوعة ديموغرافياً فهو يصب أيضاً في مصالح الدول العظمى الإقليمية و الدولية ، و يعتبر من الفرص التاريخية السانحة لهذه القوى أن تزيد هيمنتها و نفوذها و ثرواتها و أتباعها.
طبعاً الخاسر الوحيد لن تكون القوى المتحكمة أو المستفيدة إقليمياً أو دولياً بل ستكون تلك الأطراف المتصارعة ، بغض النظر عن التفاوت في مدى الخسارة و حجمها ، فإن التاريخ قد أثبت للبشرية قاطبة أن الحلول الطائفية التي تأتي لفض النزاعات الطائفية لا تأتي بخير لأحد أبداً .
و الذي يستحيل تحييده أو إبطال مفعوله في النزعات الطائفية إنما هو توظيف الدين لتجييش العواطف و لحس العقول و استحمار العوام و المثقفين سواء بسواء و تسخيرهم و تسخير مواردهم كوقود لهذه الصراعات المستعرة لتحقيق أهداف الغير قطعاً .
و أعود فأقول من يدفع و سيبقى يدفع هم أطراف الصراع فقط . و ستستمر النزعات الطائفية طالما أطراف الصراع قادرين على البذل أو متى تحققت مصالح القوى العظمى .
"لقد اخترت صورة بركان يثور تعبيرا عن الطائفية و ما تحمله في باطنها من خطر كبير و كيف تدفعه من فوهة صغيرة و مقدار رقعة الأذى التي تصيبها و تدمرها"